ما الاقتصاد الدائري؟ تصحيح المفاهيم لرسم مسار جديد

منذ الثورة الصناعية، نمت اقتصاداتنا وفقًا لنمط خطي يعتمد على استهلاك الموارد الطبيعية بنمط “استخراج، تصنيع، استخدام، وهدر”. يقوم هذا النموذج على الاعتقاد الخاطئ بأن الموارد الطبيعية متوفرة بلا حدود وبأسعار معقولة اقتصاديًا وبيئيًا. ولكن الحقيقة أن هذا النمط استنزف النظام البيئي للكوكب، حيث تجاوز استهلاكنا قدرة الأرض على التحمل، مما أسفر عن ندرة في المواد وتأثيرات بيئية سلبية تهدد استقرار النظام البيئي.

تشير الإحصاءات الحالية إلى حقائق صادمة. وفقًا لتقديرات “World Counts”، نحن بحاجة إلى ما يعادل 1.7 كوكب لتلبية استهلاكنا واستيعاب نفاياتنا. ومع ذلك، يشير تقرير فجوة الدائرية إلى أن الاقتصاد العالمي يعتمد فقط على 7.2% من الاقتصاد الدائري. بمعنى آخر، من بين 100 مليار طن من الموارد التي نستهلكها سنويًا، تتم إعادة 7.2 مليار طن فقط إلى الاقتصاد، بينما يُهدر الباقي!

مع تناقص الموارد وزيادة تكاليف النظام الخطي، إلى جانب التأثيرات السلبية على التنوع البيولوجي واستقرار المناخ، أصبح التحول إلى اقتصاد دائري أمرًا بالغ الأهمية. ولكن ما هو الاقتصاد الدائري؟

تُعرّف مؤسسة Ellen McArthur الاقتصاد الدائري بأنه نظام اقتصادي يعتمد على حلقات مغلقة، حيث لا تتحول المواد إلى نفايات أبدًا ويتم تجديد الطبيعة. يركز هذا النظام على إبقاء المنتجات والمواد في دورة مستمرة لأطول فترة ممكنة، قبل أن تعود إلى الطبيعة بطريقة آمنة ودون أضرار.

تصحيح ثلاث خرافات حول الاقتصاد الدائري

الخرافة الأولى: الاقتصاد الدائري يعني إدارة أفضل للنفايات

الاقتصاد الدائري يبدأ بإعادة التفكير في النفايات، ولكنه يتجاوز بكثير مفهوم التخلص الفعّال منها. إدارة النفايات هي مجرد خطوة أولى، لكنها تمثل أدنى مستوى في سلم الاقتصاد الدائري. يهدف الاقتصاد الدائري إلى تصميم نظام يُلغي النفايات من الأساس، وليس تحسين التعامل معها فقط. أفضل نفايات هي تلك التي لا تُنتج من الأصل!

الخرافة الثانية: الاقتصاد الدائري يعني المزيد من التدوير

التدوير هو جزء فقط من الاقتصاد الدائري، لكنه يُعتبر الملاذ الأخير. يركز الاقتصاد الدائري على الحفاظ على المنتجات والمواد بأعلى قيمة ممكنة لأطول فترة. يتطلب ذلك إعادة التفكير في تصميم المنتجات، متانتها، ودورة حياتها.

معظم المواد يتم تدويرها مرة أو مرتين فقط قبل أن تُنقل إلى مدافن النفايات. وفي كثير من الأحيان، تُخفض جودة المواد بعد التدوير، مثل البلاستيك المعاد تدويره للاستخدام في تعبيد الطرق. الاقتصاد الدائري يركز على تصميم منتجات تحتفظ بقيمتها الأصلية أو يمكن إعادة استخدامها دون فقدان جودتها.

80%  من الأثر البيئي للمنتجات يتحدد في مرحلة التصميم، قبل خروجها من المصنع. لذلك، يتطلب الاقتصاد الدائري تصميمًا يركز على المتانة، القابلية للإصلاح، وإعادة الاستخدام.

الخرافة الثالثة: الاقتصاد الدائري مجرد كلمة جديدة للاستدامة

الاقتصاد الدائري ليس مجرد نسخة أخرى من الاستدامة، بل هو نظام مختلف تمامًا. لا يهدف الاقتصاد الدائري إلى الحفاظ على النظام الحالي، بل إلى إعادة تشكيل أنماط الإنتاج والاستهلاك من الأساس. يتعلق الأمر بخلق نظام أفضل بدلاً من تقليل الأثر السلبي لنظام موجود بالفعل.

رغم أنه يمثل تحولًا مجتمعيًا واسع النطاق، فإن الاقتصاد الدائري هو أحد الاستراتيجيات المتعددة لتحقيق عالم اقتصادي مستدام اجتماعيًا وآمن بيئيًا.

الخاتمة

نحن اليوم نقف عند مفترق طرق بين التحول الاقتصادي والبيئي. هل نحن مستعدون لتحدي الوضع الراهن وبناء اقتصاد لا يكتفي بالحفاظ على الكوكب، بل يعيد ترميمه واستدامته؟