تسير المملكة العربية السعودية في مسار جريء لإعادة تعريف مستقبلها، واضعة الاستدامة كركيزة أساسية لتحقيق مستقبل مزدهر. ترتكز رؤية السعودية 2030 على نهج متقدم لتعزيز ممارسات الاستدامة في نسيج المجتمع والاقتصاد السعودي، متجاوزة المبادرات البيئية التقليدية لتشمل تنويع الاقتصاد وإصلاحات اجتماعية وحوكمة شاملة. هذا التحول الجذري لا يعزز فقط مكانة المملكة كقوة اقتصادية تنافسية عالميًا بل يضع معايير جديدة للمنطقة والعالم.
الاقتصاد الدائري كجزء من رؤية 2030
تشكل رؤية 2030 أساسًا واعدًا لدفع الانتقال نحو الاقتصاد الدائري في المملكة، من خلال الترويج لنماذج اقتصادية مبتكرة تركز على إعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، وتطبيق العمليات المغلقة. ورغم أن التشريعات الرسمية والاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الدائري لا تزال قيد التطوير، إلا أن الزخم يتزايد من خلال مبادرات ريادية تقودها الجهات الحكومية ومنظمات مختلفة، مما يثبت أن مستقبل الاقتصاد الدائري في المملكة ليس فقط ممكنًا بل بات قريب المنال.
إطار عمل الاقتصاد الكربوني الدائري
خلال رئاستها لمجموعة العشرين في عام 2020، روجت المملكة لمفهوم الاقتصاد الكربوني الدائري كنهج فعال لمعالجة تحديات المناخ من خلال تطبيق تقنيات “الأربع راءات” (التقليل، إعادة الاستخدام، إعادة التدوير، والإزالة). بقيادة وزارة الطاقة وشركاء رئيسيين في الصناعة، يدعم هذا الإطار دورة كربونية متوازنة تسهم في تحقيق هدف السعودية للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، كجزء من مبادرة السعودية الخضراء الطموحة.
مبادرات إدارة النفايات الوطنية
تُحدث مبادرة السعودية الخضراء ثورة في ممارسات إدارة النفايات في المملكة. يقود كل من المركز الوطني لإدارة النفايات (MWAN) والشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير (SIRC) تحولًا في إدارة النفايات، بهدف تحويل 94% من النفايات المنتجة في الرياض بعيدًا عن المكبات، وتحويل أكثر من 1.3 مليون طن من النفايات القابلة للتحلل الحيوي إلى سماد بحلول عام 2035. هذه المبادرة ستسهم في تقليل 4.1 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المكافئة، مع تطوير نموذج مستدام لإدارة النفايات يمكن تطبيقه في جميع أنحاء المملكة.
استراتيجية السعودية الصناعية الوطنية
ضمن استراتيجيتها الصناعية الوطنية، ركزت وزارة الصناعة والثروة المعدنية على الاقتصاد الدائري كجزء رئيسي في عدة قطاعات مؤثرة مثل مواد البناء، البلاستيك والمطاط، والصناعات التعدينية. وتقود الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن) مبادرة لتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري في المدن الصناعية، لتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية ودمج التقنيات المتقدمة، مما يسهم في تقليل النفايات وزيادة إعادة التدوير.
مدينة أوكساچون في نيوم
تجسد “أوكساچون”، المصممة كأكبر مجمع صناعي عائم في العالم، رؤية المملكة لأنظمة حضرية وصناعية مغلقة ومستدامة. ستدمج أوكساچون تقنيات الجيل الرابع للصناعة والاقتصاد الدائري لتوفير بيئة خالية من النفايات والانبعاثات، مما يجعلها معيارًا عالميًا جديدًا للتنمية الصناعية المستدامة.
مبادرة SABIC TRUCIRCLE™
تضع مبادرة TRUCIRCLE™ من سابك معيارًا جديدًا لإعادة تدوير البلاستيك في المملكة، بهدف معالجة أكثر من مليون طن متري من النفايات البلاستيكية. تسلط هذه المبادرة الضوء على الابتكار الدائري من خلال تقديم منتجات دائرية ومعتمدة على مصادر حيوية، مما يعزز إدارة الموارد بشكل مسؤول.
مبادرة الاقتصاد الدائري لشركة أرامكو
باعتبارها ركيزة أساسية للاقتصاد السعودي، تعتمد أرامكو ممارسات دائرية من خلال فريق عمل للاقتصاد الدائري أُنشئ في عام 2020. تتبنى الشركة سبعة مبادئ دائرية لتحسين استخدام الموارد وتقليل الهدر في كل مراحل الإنتاج.
الخاتمة
مع كل مبادرة جديدة، تقترب المملكة خطوة نحو استراتيجية وطنية للاقتصاد الدائري مدعومة بتشريعات شاملة. إطار العمل هذا سيوحد الجهود عبر جميع القطاعات، مما يتيح للمنظمات تبني هذا التحول وإحداث تأثير واسع النطاق. القيادة السعودية تمهد الطريق لمستقبل أكثر خضرة ومرونة، بتأثير دائم للأجيال القادمة. الزخم موجود، والإمكانات لا حدود لها.